خلاصه ماشینی:
"فلابد من الاعتدال والحکمة بلا افراط ولا تفریط ، بل خیر الامور أوسطها ، فإن الاعتدال فی الأخلاق هو صحة القلب والنفس والروح ، والمیل والانحراف عن حد الاعتدال فهو المرض والسقم الذی یخاف منه ، فعلاج النفس بمحو الرذائل والأخلاق الذمیمة عن النفس ، وکسبها الفضائل والأخلاق الحمیدة ، ثم بعد تخلیة القلب من الأهواء والأمراض النفسیة وتحلیته بالأخلاق الفاضلة ، ثم یسعی من أجل تجلیتها وصیقلتها حتی تکون کالمرآة تنطبع فیها أسرار الله وکونه ، وإن امور الناس ترجع إلی ربهم کما رجوع الإنسان إلیه ، فهو الکمال المطلق ومطلق الکمال المستجمع لجمیع الصفات الکمالیة والجمالیة والجلالیة بلا نهایة ولا بدایة ، فهو الأول وهو الآخر .
وبعد هذه الوقفة العاجلة فی رحاب عظمة الأخلاق الإسلامیة ودورها البالغ فی حیاة المسلم الرسالی ، وبعد عرض موجز عن الإخلاص والریاء ، وإنما منشؤهما ومحطهما هو القلب ، فإنه العالم بالله وهو العامل لله ، والساعی والمخلص والمتقرب إلیه ، وهو الکاشف بما عند الله ولدیه ، وإنما الجوارح أتباع له وخدم والآت یستخدمها القلب کاستخدام الراعی للرعیة ، فهو المقبول عند الله إذا سلم من غیر الله ، وهو المحجوب عنه إذا صار مستغرقا بغیر الله ، فهو المخاطب وهو المطالب وهو المثاب والمعاقب ، فیفلح الإنسان إذا زکاه ویشقی ویخیب إذا دنسه ودساه ، وهو المطیع لله بالحقیقة ، وإنما الذی یظهر علی الجوارح الظاهریة من العبادات أنواره ، فهو سلطان البدن ، وهو العاصی المتمرد علی الله ، وإنما الساری علی الأعضاء من الفواحش آثاره وبظلمانیته ونورانیته تتجلی المحاسن الظاهریة ومساویها ، فإن کل إناء بما فیه ینضح ، وهو الذی إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه ومن عرف نفسه عرف ربه ، فتارة یهوی إلی أسفل السافلین ویکون کالأنعام بل ______________________________ (1) نقلنا الروایات من میزان الحکمة 4 : 22 فراجع ."