خلاصه ماشینی:
"وذلک علی الرغم من أهمیة هذا المفهوم ومحوریته فی الحرکة (الإنسانیة: humanity) من حیث وصفها وتکییفها وبیان ماهیتها ووجهتها، وعلی الرغم من أنه یعد المفهوم الأساس لکثیر من العلوم الاجتماعیة والإنسانیة ــ کـ(علم الأنثروبولوجیا: Anthropology) أی: علم الإنسان، و(علم الاجتماع: Sociology)، و(علم النفس: Psychology)، و(علم التربیة: Pedology) وغیرها ــ سواء باعتبار المکون الأساسی لبنیة العلم, أم أنه الغایة التی ینشدها العلم أو الموضوع الذی یدور حوله، فعلی الرغم من ذلک کله لا توجد محاولة جادة لمناقشة مفهوم الثقافة مناقشة تأصیلیة ــ طبعا فی العالم الثالث أو الشرق علی الخصوص ــ تستقصی جذوره وتتبع دلالاته وتکشف عن معانیه وکوامن جوهره فی لغتنا العربیة أو اللغات الأخری.
نبذة تاریخیة تعددت التفسیرات لمفهوم الثقافة، فاختلفت وتناقضت، وتقاربت؛ وذلک لما لهذا المفهوم من علاقة بمجمل المفاهیم والمبادئ التی یتبناها هذا الطرف أو ذاک، ومن هنا عرفت الثقافة عند ذوی الاتجاه الیساری بأنها: ذات علاقة بالجماعة، أی: (فلسفة المجتمع)، فی حین یعرفها الغرب علی أنها: تراث الإنسانیة الإغریقیة اللاتینیة، بمعنی أن مشکلتها ذات علاقة وثیقة بالإنسان، أی أنها (فلسفة الإنسان).
أما فی المفهوم الإسلامی فهی غیر هذا وذاک، بل هی کما یعرفها أحد المفکرین الإسلامیین: مجموعة من الصفات الخلقیة والقیم الاجتماعیة التی یتلقاها الفرد منذ ولادته، کرأس مال أولی فی الوسط الذی ولد فیه، والثقافة علی هذا هی المحیط الذی یشکل فیه الفرد طباعه وشخصیته، بما أنها تمثل الرحم التی یتخلق فیها جنین الحضارة، خاصة وأنها الشیء الذی یکیف الإنسان الذی یصنع التاریخ(١).
وینظر مالک إلی الثقافة من خلال علاقتها بالحضارة أو وظیفتها فی التغییر الاجتماعی، وقد جاء مفهومه عنها من خلال زاویتین: ١- الزاویة التاریخیة: حیث إنها تشکل مجموعة من الصفات الخلقیة والقیم الاجتماعیة التی تؤثر فی الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعوریا، العلاقة التی تربط سلوکه بأسلوب الحیاة فی الوسط الذی ولد فیه، وهی علی هذا المحیط الذی یشکل فیه الفرد طباعه وشخصیته."