خلاصه ماشینی:
"لقد نفقت سوق الترجمة، و شاعت و انتشرت بانتشار الدین الإسلامی العظیم، و اتساع رقعة الأراضی الإسلامیة، و إسلام الشعوب المختلفة و أیمانهم بالإسلام، لا سیما فی العصر العباسی الأول، فوجدت اللغة الفارسیة ـ بصورة خاصة ـ طریقها إلی البلاط العباسی و حاشیة الخلافة، و منها الی المجتمع و السوق و الشارع، و علی عهد وزارة البرامکة بصورة خاصة، و من أشهر مترجمی هذا العصر، عبدالله بن المقفع (روزبه) و هو فارسی کان من کبار الکتاب و الشعراء و من ذوی الفصاحة و البلاغة، و قد ترجم کتبا کثیرة من الفارسیة إلی العربیة أشهرها کلیلة و دمنة و هو کتاب جامع و له من الکتب کتاب الأدب الکبیر و الأدب الصغیر و غیرها.
نعم، أصاب اللغة العربیة فی هذا العصر تغییر کبیر فی ألفاظها بما نقل الیها من العلوم الدخیلة، و ما اقتضاه التمدن من الألفاظ الإداریة، و ما استلزمه التوسع فی العلوم الأسلامیة و غیرها من الأوضاع و المصطلحات العلمیة و الفلسفیة لتأدیة ما حدث فی المعانی الجدیدة مما لم یکن له مثیل فی لسان العرب، فکانت اللغة الفارسیة هی التی زودتها فی هذه المرحلة بمعظم ما کانت تحتاج الیه للتعبیر عن الحیاة الحضاریة الجدیدة، فأمدتها بمصطلحات کثیرة فی فروع الإدارة و الدواوین، و فی فنون الکتابة و الرسائل الدیوانیة، و فی أقسام العلوم کالنجوم و علم النبات و غیرها کما أعارتها کلمات کثیرة جدا ذات علاقة بالحیاة الحضاریة الجدیدة مما یرتبط بالمأکل و الملابس و الظروف و الأوانی و اسماء النباتات و العقاقیر و الأزهار و الأحجار الکریمة و غیر ذلک مما لا نزال نجد أمثلة کثیرة منه فی المعاجم العربیة، و من التعبیرات التی إقتبسها العرب من اللغة الیونانیة مما لم یکن لهم مندوحة عنها و لا بأس بها: 1."