خلاصه ماشینی:
إلاّ أنّ نجاح الثورة الإسلاميّة في إيران 1979م في ظلّ ولاية الفقيه، وبداية الصحوة الإسلاميّة، وثورة الكاسيت، ونشاط الإخوان المسلمين، وتمكّنهم فترةً في السودان، إلى نجاحهم المعاصر في تركيا، وبعد أحداث الربيع العربيّ صعد تيار الإخوان المسلمين من جديدٍ في مصر لفترةٍ، ونجح في تونس والمغرب العربيّ، وهكذا حزب الدعوة في العراق؛ هذه التجربة أعطَتْ مراجعات للدولة الدينيّة من الداخل، وإعادة بلورة للكثير من التشريعات والأحكام، والانفتاح على النظريّات السياسيّة المعاصرة، والقبول بالتعدُّديّة والدولة المدنيّة، والشراكة مع باقي طوائف المجتمع، ورفض العنف والاستبداد، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة، فأصبحت تمارس ما كان يعتبر سابقاً كفراً بواحاً مخرجاً من الملّة.
ويرى كثيرٌ من المفكِّرين المسلمين والمسيحيّين أن لا تعارض بين هذا النوع من العلمانيّة والإيمان الدينيّ»()؛ وأمّا العلمانيّة الثالثة فقد أطلقها عصام القيسيّ (معاصر)، حيث يحصرها في العالم الإسلاميّ الذي يتزامن في العديد من أقطاره مع تعدُّديّة مذهبيّة تنضوي تحت دائرة الإسلام، إلاّ أنّها تختلف في بعض التفسيرات الكلاميّة والعمليّة، فيرى الانطلاق من الخيوط المشتركة في الدولة، وهو القرآن فقط، «وإنّ معظم الخطاب القرآني ينصرف إلى القصص والأخبار (العقائد)، والنسبة الباقية منه موزّعة على توجيهاتٍ أخلاقيّة لضمير الفرد والجماعة، وأحكامٍ قانونيّة للفرد وللجماعة.
ومع إحياء الهويّة الفرديّة والجماعيّة في العالم الإسلاميّ والعربيّ خصوصاً، وما يدخل فيه من إصلاحٍ سياسيّ وثقافي واجتماعيّ وقانونيّ وأمنيّ، لا بُدَّ من الإصلاح الاقتصاديّ، وأداء حقّ الفرد بما يحقِّق كرامته كإنسانٍ، ليس على مستوى إقليمه فحَسْب، بل على مستوى أمّته؛ بل لا أجازف على المستوى الإنسانيّ ككلّ، بحيث يكون الفقر جريمةً بحقّ الأفراد، أيّا كان هذا الفرد، وأيّا كان دينه وتوجُّهه، حيث يجب على المجتمع الإنسانيّ محاربة كلّ ما يؤدّي إلى أكل خيرات الشعوب، وابتزازهم، والاتّجار بالبشر.