خلاصه ماشینی:
إن السبب الذي يدعو المتكلِّمين في هذا البرهان إلى العمل على نفي جميع أنواع إمكان واحتمال ارتكاب الخطأ والمعاصي من الأنبياء هو أنه لو كان هناك احتمالٌ أو افتراضٌ عقليّ لارتكاب هذه الأمور من قِبَل الأنبياء، حتّى إذا لم يرتكبوها على المستوى العمليّ وفي الواقع، سيبقى الطريق مفتوحاً أمام الناس للاحتجاج على النبيّ؛ إذ يقولون له: حيث يُحتَمَل في كلامك الخطأ والعصيان فنحن لا نستطيع الوثوق بك والاعتماد على كلامك.
فنحن نوافقه في أن سكون الناس واطمئنانهم وثقتهم بالشخص الذي لا يُحتَمَل في حقّه ارتكاب المعاصي أكبر من اعتمادهم وثقتهم بالشخص الذي يحتملون منه صدور المعاصي، بَيْدَ أن السؤال يقول: ماذا نفعل إذا كان إرسال مثل هذا الشخص لهداية الناس غير ممكنٍ؛ بسبب جواز صدور الخطأ من كلّ إنسانٍ؟ أليس الحلّ الوحيد يكمن في الاكتفاء بشخصٍ في مرتبةٍ أدنى؛ لضمان عدم تفويت الغرض الرئيس من إرسال الرُّسُل، وهو الغرض المتمثِّل بهداية جميع الناس إلى الله سبحانه وتعالى؟ إذا كنّا نعتقد أن الأنبياء من البشر، وأن العصمة أمرٌ اختياريّ، إذن سوف يكون احتمال ارتكاب الخطأ والذنب عنهم موجوداً على الدوام (سيأتي توضيح هذا الادّعاء لاحقاً).
2ـ لزوم العصمة الجَبْرية ــــــ كما ذكَرْنا في بيان برهان الوثوق والاعتماد، فإن هذا البرهان يستلزم أن يكون الأنبياء معصومين من ارتكاب الذنب؛ إذ لا يمكن الاعتماد عليهم بالكامل إلاّ في فرض هذه الحالة.
وعلى هذا الأساس، فإنه من خلال القول بهذه الفرضية، وهي أن نفي احتمال أيّ نوعٍ من صدور الذنب عن الأنبياء إنما يكون ممكناً من خلال الاستناد إلى الإرادة الإلهيّة، فإن النقد الآخر لبرهان الوثوق والاعتماد هو أن عصمة الأنبياء سوف تكون أمراً جَبْرياً، وليس ثمرة سعيٍ ومجهودٍ يقوم به الأنبياء أنفسهم.