خلاصه ماشینی:
"إلخ تتعرض کلها للغزو أو القهر من جانب نمط حیاة أمة أو أمم أخری،و لکن المرء یلاحظ أن هذا الغزو أو القهر له سمة خاصة فی ظل المجتمع التکنولوجی الحدیث،و أن غزو هذه الثقافة الأجنبیة إذ یتم فی عصر التکنولوجیا الحدیث یختلف عن غیره من صور الغزو الثقافی التی عرفها تاریخ الإنسان من قبل،و هو اختلاف یستحق التأمل و لا یجوز غض النظر عنه.
إن من الممکن مثلا أن نلفت نظر أصحاب هذا الرأی إلی أن أوروبا الشرقیة،بتبنیها نظاما اشتراکیا،أو نظاما غیر رأسمالی،قد سحقت التفرد و الهویات الثقافیة للأمم الخاضعة لها،بدرجة قد تکون أقل أو أکثر مما قامت به الدول الرأسمالیة من سحق شعوبها و شعوب غیرها،و أن هذا السحق أو القهر الذی مارسته الدول الاشتراکیة قد حدث علی الرغم من الملکیة العامة و من نظام التخطیط المرکزی و علی الرغم من کل ما تبنته هذه الدول،سواء عن حسن نیة أو سوء نیة،من شعارات العدالة و الإنسانیة، و ذلک لمجرد أنها تبنت مثل غیرها نوازع المجتمع التکنولوجی الحدیث و مطامحه نفسها،و أن کل ما قد یکون قد بدر منها من احترام للتفرد و الهویة الثقافیة للأمم الخاضعة لها لم یکن سببه إلا تخلفها عن اللحاق بآخر مستلزمات هذا المجتمع التکنولوجی الحدیث،و یمکن لنا أن نطمئن إلی أن ما تخلفت عنه فی الماضی سوف تستکمله بسرعة من الآن فصاعدا.
فإذا کان صحیحا،کما أزغم أنه صحیح،أن العولمة مبعثها فی التحلیل الأخیر میل قدیم و متأصل فی نفس الإنسان نحو تخفیف ما یتحمله من أعباء الإنتاج و الاستهلاک،و من ثم نحو تطویر التکنولوجیا، و أن ما أفضی إلی ذلک فی نهایة المطاف،هو عملیة قهر لم یعرف الإنسان مثیلا لها فی تاریخه الطویل:قهر لتفرد الإنسان داخل أمته،و قهر لأی هویة ثقافیة قد تتمسک بها أمة من الأمم،إذا کان الأمر کذلک فإن المشکلة تظهر علی أنها أکبر بکثیر مما نظن."