چکیده:
القرآن الکریم معینه لا ینضب،و لا یخلق علی کثره الرد،و لا تنقض عجائبه،فقد جوی علوما جلیلة،و من بین هذه العلوم:«ردود القرآن علی ذوی الجحود و الإنکار»،فقد حفل کتاب الله بهذا النوع من علوم القرآن،و لم یترک القرآن تلک الشبهات و الاعتراضات و الاقتراحات و الطعون التی أثارها المنکرون و الجاحدون بدون جواب،بل أنزل الله آیات بینات،لتنیدها و دحضها بالأدلة و البراهین المنوعة،و إزالة آثارها من نفوس المؤمنین،و لقنهم الإجابة الشافعیة. وردود القرآن و مناقشاته تختلف عن جدل المجادلین،و لا ینبغی أن تقحم فی باب الجدل المنطقی للمتکلمین،فإن القرآن کتاب هدایة و إرشاد و تشریع،و ما جاء فیه من أدلة و براهین و مناقشات هو نوع من أنواع البیان القرآنی فحسب، و إذا وجد منه ما یفهم الجدل فی بعض الأدلة و البراهین،فذلک غیر مقصود کالآیات التی جاءت موزونة عیل نمط الشعر،و کالآیات التی جاءت مسجوعة و مع هذا لا یقال بسبب وجود هذا أو ذاک:إن القرآن من قبیل الشعر،أو من قبیل السجع،فکذلک الآیات التی جاءت فیها براهین و أدلة،و وافقت مناهج الجدل للمتکلمین،فإننا لا نسمیه الجدل القرآنی،و إنما هو بیان و تفسیر وردود، و ستظل تلک الأحوال النادرة مندرجة تحت البیان القرآنی،و هو أوسع مدلولا من جدل المتکلمین،فحج الله و براهینه واضحة جلیة،یفهمها المخاطب،و لا تحتاج إلی کد الذهن و إعمال الفکر. و أهمیة هذا الموضوع کبیرة وصلته بالقرآن کصلة الفرع بالأصل،بل إن علاقته بالقرآن کعلاقة الجزء بالکل،و قد شغل حیزا کبیرا من کتاب الله تعالی، و إن ردود القرآن علی مفتریات نوی الجحود و الإنکار أبلغ الردود و أصدقها و أحکمها و تضمنت حججا عقلیة یذعن لها المخاطب و ینقاد. و إن الشبهات التی أثارها الجاحدون،و یثیرها أعداء الإسلام من وقت نزول القرآن و إلی یومنا هذا،و إلی یوم الدین هی فی جملتها متشابهة،لا تخرج عن شبه السالفین و منکراتهم؛لأن المذکبین و الجاحدین فی کل زمان و مکان یتشابهون فی الطباع کما قرره القرآن،و لا نحسب شبهة ترد علی الإسلام إلا و فی القرآن العظیم الرد القاطع و البیان الشافی،و إذا تتبعت آیات الرحمن وجدتها قد أتت بعدد کبیر من شبه المنکرین و الجاحدین و اعتراضاتهم و نقضتها بالحق الواضح و البیان الکاشف فی أوجز لفظ و أبلغه. فإن المنکرین و الجاحدین جاءوا بکلمات فی حق الله تعالی،و جاءوا بکملات فی حق ملائکته،و وصفوا الرسول بأوصاف،و نعتوه بنعوت شتی،فأقاض القرآن فی رد هذه المفتریات،و فدع هذه الشبهات،و أجاب عنها بأسلوب واقعی حیث ساق لهم الحقائق بطریقة یغلب علیها طابع الموازنة و الاستشهاد بالواقع و ضرب لهم الأمثال من أنفسهم ورد دعاویهم الباطلة. ثم انتقلت ردود القرآن إلی دفع شبهاتهم حول ذات الرسول و رسالته،و فند جمیع مزاعمهم،و إن هذه الدعاوی و الأمثال التی ضربوها النبی-صلی الله علیه و سلم- و الاقتراحات و الاعتراضات تظهر علیها الحیرة و الاضطراب و التناقض العجیب و التنافر المعیب«فهم فی أمر مریج». ثم عالج القرآن نفیهم و إنکارهم للبعث و النشور بوسائل و طرق شتی عالج شبهاتهم بالدلیل القاطع،و البرهان الساطع،و الحجة الدامغة،و التذکیر البالغ،تارة بلفت أنظارهم إلی خلق أکبر من خلقهم،و أخری یذکرهم بأنفسهم و أطوار نشأتهم،و تارة أخری یوجههم إلی ما تخرجه الأرض المیتة من الزروع و الثمار، و مرة أخری بأخبار الله الصادقة المؤکدة،و إذا لم یفلح هذا و لا ذاک مع طائفة بالغوا فی الجحود و الإنکار انتقلت ردود القرآن معهم إلی أسلوب التحدی و التعجیز،بأن یکونوا حجارة أو حدیدا،أو خلقا آخر مما یعظم عندهم،مما هو أشد صلابة منهم،فسیعیدهم الذی فطرهم أول مرة،و حینئذ ینغضون رؤسهم، و الله أعلم. و الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات.
خلاصه ماشینی:
"2 لذلک تراهم فی بعض الأحیان یمزجون وصفین فی آن واحد کما ذکره القرآن عنهم: و یقولون أئنا لتارکوا ءالهتنا لشاعر مجنون، 3ثم تحیروا و اضطربوا،و قالوا: ثم تولوا عنه و قالوا معلم مجنون(14) 4فأقوالهم فیه متناقضة فهم فی أمر مریج، و لا یصح الجمع بین کونه معلما و مجنونا فی آن واحد،لأن المجنون لا یکون معلما و لا یتأثر بالتعلیم5و کان یکفی فی سقوط مقترحاتهم عن درجة الاعتبار هذا التناقض العجیب،و التنافر المعیب،إلا أن القرآن أجاب عن کل هذه الشبهات و أبطلها، و أزالها ببیانه الساطع وردوده النافذة من وجوه: الوجه الأول:فقال فی رده علی اقتراح نزول الملائکة: ما ننزل الملئکة إلا بالحق و ما کانوا إذا منظرین 6ما ینزل الله الملائکة إلا تنزیلا متلبسا بالحق،بالوجه الذی تقتضیه حکمة الله،کأن ینزلهم لإهلاک الظالمین أو لتبلیغ الوحی إلی رسل الله و التی لیس منها ما اقترحه المشرکون.
1 قال أبو حیان فی تفسیره هذه الآیة:«لو آتیناهم بالآیات التی اقترحوها من إنزال الملائکة فی قولهم لو ما تأتینا بالملائکة و حشرنا کل شیء علیهم من السباع و الدواب و الطیور و شهدوا بصدق الرسول لم یؤمنوا إلا أن یشاء الله و الغرض التیئیس من إیمانهم»،2لأن القرآن فیه الغناء و الکفایة و مثل هذه الآیات قوله تعالی: ولو نزلناعلیک کتبا فی قرطاس فلمسوه بأیدیهم لقال الذین کفروا إن هذآ إلا سحر مبین 3لو عاینوا نزول الکتاب من السماء لقالوا ما هذا إلا سحر کما أخبر عنهم فی قوله: ولو فتحنا علیهم بابا من السمآء فظلوا فیه یعرجون(14)لقالوا إنما سکرت أبصرنا بل نحن قوم مسحورون 4لو أن الله عز و جل فتح لهم بابا من أبواب السماء الظاهر یصعدون فیه و رأوا من آیات الله لقالوا لفرط عنادهم:إنما سدت أبصارنا و خدعت و سحرنا محمد-صلی الله علیه و سلم-."