خلاصه ماشینی:
"و سواء اتفق معنا الجمیع علی نقض مقولة الاقطاع فی التاریخ العربی،أو بقی البعض مصرا علی«مصداقیة وجودة تاریخیا»،و علی وجود«الکثیر من خصائص الاقطاع الأوروبی الفیود الی»فیما عرف بالاقطاع العسکری الاسلامی5؛فإن ثمة حقیقة تاریخچة أساسیة یسلم بها جمیع المؤرخین و الباحثین،و هی أنه بقدر ما أدی الاقطاع الفیود الی الأوروبی و الیابانی إلی«تنمیة» المجتمع و تقدم اقتصاده و زیادة فوائضه و ترسیخ عمرانه و تقویة التواصل الحضری بین أجزائه، فإن نظام استغلال الأرض فی المجتمع العربی،المعروف بالإقطاع العسکری،قد أدی بالمقابل إلی تفریغ المجتمع العربی و تدمیر اقتصاده و تخریب عمرانه و تحطیم بناه،و بالتالی زیادة التباعد بین أجزائه،فکان من الطبیعی و الحالة هذه أن تؤدی الفیود الیة إلی ما أدت إلیه من وحدة قومیة و تحول رأسمالی فی أوروبا والیابان،و أن یؤدی الاستغلال العسکری اللأرض إلی ترسیخ التجزئة و التباعد بین المجتمعات العربیة،و هی التجزئة التی أوجدتها أصلا الفواصل و الحواجز الصحراویة الشاسعة الممتدة بین المراکز الحضریة،ثم رسخها ذلک النوع من«الاقطاع»و انبثقت منها موضوعیا بالتالی معظم الکیانات القرطیة فی الوطن العربی،و ما زالت الحاجة قائمة إلی سد فجواتها و ملء فراغاتها التجزیئیة التی تتخلل المجال القومی و تحول دون تحوله إلی فضاء موحد، متصل الحلقات.
فاصحاری ما زالت تباعد بین أقطارها دون مواصلات فعالة،و العمران زراعیا أو غیره لم یغط بعد الفراغات الفاصلة بینها،و مختلف البنی التحتیة الأساسیة،و إن تواجد بعضها قطریا،فإنها لم تتواصل قومیا بعد،لذلک فلیس من المبالغة القول إن الوطن العربی ما یزال بحاجة إلی«تنمیة اقطاعیة»بالمعنی الذی أشرنا إلیه(عبر عملیاتها الأربع)،و أن الدولة القطریة-وحدها-ب؟؟؟ طبیعتها و تکوینها و شبهها بالوحدات الاقطاعیة السیاسیة الأوروبیة،هی المرشحة لتقوم بهذا الدور التحولی،و هی تقوم به فعلا،لأن المجتمعات العربیة القدیمة لم تعرف-تاریخیا ذلک النوع من الاقطاع التحضری-التنموی-التوحیدی الذی عرفته مجتمعات أوروبا الغربیة،حیث لم تستطع أغلبیة تلک المجتمعات العربیة تحقیق أول الشروط،و هو شرط الاستقرار الحضری الدائم و الثابت، و ذلک بسبب کثرة الاجتیاحات الرعویة القبلیة التی لم تتوقف،و ظلت تتعرض لها عبر تاریخها، سواء من البوادی العربیة،أو-بدرجة أکبر و أقسی و أخطر-من بوادی السهوب الآسیویة(ترک المعتصم-البویهیون-السلاجقة-المغول و التتار-الممالیک-العثمانیون)."