خلاصه ماشینی:
"فی ظل الافرازات المتلاحقة التی فجرتها الحرب الأخیرة علی العراق و التی قذفت بالنظم و الشعوب العربیة-فجأة-نحو واقع جدید لا تملک فیه القدرة علی تحدید اتجاهاته و ملامحه،أصبحت هناک حاجة ملحة لتدعیم ثقافة التغییر فی الفکر العربی،بالإضافة إلی ضرورة التصدی لإشکالیات التغییر التی قد تنشأ نتیجة الأوضاع الجدیدة التی ستشهدها المنطقة العربیة خلال المرحلة المقبلة.
و إذا کان صموئیل هانتنغنتون قد نظر إلی التحولات التی أصابت معظم دول الجنوب-خاصة غیر العربیة منها-فی أوائل الثمانینیات من القرن الماضی باعتبارها «الموجة الثالثة للدیمقراطیة»،فإن إفرازات الحرب علی العراق ربما تشکل-فی المنطقة العربیة تحدیدا-دفعة نحو«الموجة الأولی للتغییر الحقیقی»فی إدراک النخب و الشعوب العربیة لمتغیرات الواقع الجدید و ضروراته.
فمنذ انحسار الموجات الاستعماریة عن الوطن العربی،و فرص التغییر تتضاءل یوما بعد یوم،و یخفت نورها کی تحل محلها ثقافة السکون و الرضا بما هو قائم،و هو ما قد یرجع الی عاملین هما:الأول الاتجاه نحو شخصنة الحکم فی أغلب البلدان العربیة- إن لم یکن جمیعها-و ما یعنیه ذلک من مصادرة لأی محاولة للتغییر،و الثانی هو حالة التخبط الأیدیولوجی التی أصاب الشعوب و النخب العربیة المثقفة،مما أفقد بوصلتها الثقافیة القدرة علی تحدید الاتجاهات و اختیار المسارات و العجز عن طرح فکر جدید تصاحبه محاولات للتغییر.
و یصبح من قبیل التغییر الذی ترغب الولایات المتحدة فی إحداثه ذلک الذی یرکز علی دفن المفاهیم التربویة و الدینیة و الثقافیة التی تزخر بها تجاربنا الفکریة-خاصة الإسلامیة-باعتبارها منبت العنف و الإرهاب وفق الرؤیة الأمریکیة،و الاستعاضة منها بالتوجه نحو حزمة جدیدة من المفاهیم و المبادئ التی تبدو ظاهریا مجدیة و نافعة،و لکنها تنطوی فی الواقع علی مخاطرة کبیرة قد تودی بالحرث و النسل معا."