خلاصه ماشینی:
"الا أن المطلع علی نواحی هذه الحرکة،و ما تتنفس عنه من متناقضات،أبینها انصراف السواد الاعظم من الجمهور عن غشیان دور التمثیل،فی نفس الوقت الذی تعنی فیه وزارة التعلیم جادة بنشر فن التمثیل و باتخاذه وسیلة لاذاعة محاسن اللغة العربیة لیقف متسائلا:هل کان التمثیل فی مصر الحدیثة ظاهرة مفتعلة،هی ولیدة الامس القریب،أم انه کان مما شغل الذهنیة المصریة فی عهد الفراعنة،ثم اندثرت معارف هذا الفن و تقالیده فیما اندثر من نواحی الثقافة الفرعونیة،ذلک ما سنبینه فی هذا المقال فکرة وجود مسرح فرعونی ان احتمال قیام مسرح فی مصر الفرعونیة أمر طالما شغل علماء الآثار منذ أواخر القرن الماضی،و فکرة راودت أبحاث المؤرخیت فاستبدت بتفکیر البعض،أو عبرت بذهن البعض الآخر،مخلفة وراءها فی الحالتین تطلعا لا یتطامن و شکا لا یهدأ و هذا الاحتمال مبعثه اقباس من أضواء قد تناثرت تومض بین الاسانید القدیمة المدونة باللغة الهیرو غلیفیة علی أوراق البردی،و بین الرسوم المحفورة علی أعمدة الهیاکل و جدران المدافن،و هذه الاقباس فی تناثرها هنا و هناک شعاع همل للباحث العابر،و هی موضع تفکیر و مبعث ایحاء للباحث المحقق من طلاب الحقائق فمن أوراق البردی استخرج علماء الآثار نتفا من مناجاة،و نصوصا لحوار ذی صبغة دینیة یجری بین أرباب الدیانة الفرعونیة و فی الرسوم المحفورة علی الاعمدة و الجدران راع العلماء أوضاع جسمانیة معبرة تسجل بعض الطقوس الجنائزیة و الشعائر الدینیة و اذا کان ذلک الحوار یغلفه شیء من الابهام شحبت معه،بعش الشیء،العواطف الانسانیة المجردة و الخلجات النفسیة الصریحة،فان هذه الرسوم صریحة المعنی من حیث التعبیر عن خفقات القلب و خلجات الروح و الحوار و الحرکة المعبرة من جوهر فن التمثیل و الحوار و التعبیر بالحرکة و الاشارة فی مزاولة بعض الطقوس الدینیة،من مقومات المسرحیة الدینیة عامة le drame liturgique,le myste?re و من ثم انبعث احتمال قوی بأن طقوس الدیانة الفرعونیة و تقالیدها کانت تتضمن المسرحیة الدینیة و قد دعم هذا الحتمال،ما أورده(هیرودتس)و(بلوتارک)1فیما کتباه مؤرخین عن مصر الفرعونیة،من أوصاف مسهبة عن حفلات خاصة ببعض المناسک الدینیة الموقوفة علی عبادة الاله(أوزیریس)،کان یشترک فیها الکلم الفرد و الحوار مع الحرکة و الاشارة2 و من هذه الاوصاف ما هو خاص بطقوس عبادة هذا الاله و هی طقوس کانت تجری فی شبه عرض تمثیلی بمعبد(أبیدوس)3 و تتلخص فیما یأتی: «یسیر موکب عظیم یشید بذکر انتصارات أوزیریس،فکان یتقدم الموکب جماعة من الکهنة یحملون البیارق الحربیة،و یأتی بعد ذلک نفر منهم یحملون ناووسا یحوی تمثالا لا وزیرس،و اذ ذاک یعترض الموکب جمهور،یمثل أعداء هذا الاله العظیم،یحاول وقف مسیر موکب الاله الظافر،فتدور معرکة بینهم و بین الفرق التی تتقدم الموکب تنتهی بهزیمة المعتدین،و یستأنف الموکب بعد ذلک مسیره الباهر الی محراب المعبد."