خلاصه ماشینی:
"و لم یحاول المؤرخون الذی أعقبوا عصر المعری،تصحیح الأمور،و إعادة الاعتبار إلی الشاعر المظلوم،لأنهم هم أیضا کانوا واقعین تحت هیمنة سلاطین و أمراء مماثلین فی رذائلهم لأولئک الذین عاصرهم المعری،و هکذا راحوا یتبارون فی إلصاق تهم الإلحاد و الانحراف عن الدین إلی أبی العلاء،ینقلون عن أسلافهم الأحادیث الکاذبة کالببغاء،أو کما وصفهم أبو العلاء نفسه قیاسا علی مؤرخی عصره: وجدت أباک مفتریا حدیثا فأنت علی مقص الشیخ تفری و الحال أن المعری نص بکل وضوح و جلاء،فی کل ما کتبه،علی إیمانه القوی بالخالق،و یؤکد اعتقاده بالتوحید و القدرة الإلهیة المطلقة.
مما یثبت شدة تأثر المعری بها،و تبدو کصدی لها فی الواقع: 1-فی أن المادة لا تفنی،و إن الروح مثل الجسد مکونة من الذرات: إذا کان ما قال الحکم فما خلا زمانی منی منذ کان و لا یخلو أفرق طورا ثم أجمع تارة و مثلی فی حالاته السدر و النخل لا حس للجسم بعد الروح نعلمه فهل تحس إذا بانت عن الجسد إذا افترقت أجزاؤونا حط ثقلنا و نحمل عبئا حین یلتئم الشعب 2-أفکار دیمقریطس و هیراقلیطس عن أسرار حرکة المادة،و عن إمکانیة وجود أکوان أخری و أنواع أخری من الحیاة لا نعرفها: إن لم یکن فی سماء فوقنا بشر فلیس فی الأرض أو ما تحتها ملک و جسمی شمعة و النفس نار إذا حان الردی خمدت بأف و الدهر أکوان تمر سریعة و یکون آخرها نظیر الأول یجوز أن تطفأ الشمس التی و قدت من عهد عاد و أذکی نارها الملک فإن خبت فی طوال الدهر حمرتها فلا محالة من أن ینقض الفلک 3-فی ضرورة نبذ الخرافات و الأساطیر التی تتناقلها العامة و تؤمن بها علی الرغم من مخالفتها للعقل و المنطق: یتلون أسفارهم و الحق یخبرنی بأن آخرها مین و أولها (1)-قبل المیلاد."