خلاصه ماشینی:
"و قد سجل الشعر و الأدب کله آنذاک وقائع هذه المعرکة تسجیلا مباشرا أحیانا،و نم عنها أحیانا؛و لکنه دائما یحمل فی أسلوب التعبیر و الإحساس مظاهر جدیدة بدت-أول ما بدت-متفرقة فی شعر الطلیعة المخضرمة من شعراء العصر العباسی و من بعدهم قلیلا(بشار،العتابی)،ثم تجمعت قلیلا فی شعر من تبعهم،و یمثلهم مسلم بن الولید الذی عد لهذا رأس مذهب جدید سماه المعنون بنقد الشعر و روایته آنذاک بهذا الاسم:«مذهب البدیع:أی الطریف الجدید»،ثم استفاض من بعد فی شعر أبی تمام و غیره من شعراء هذا المذهب.
و استمر الصراع علی هذا النحو،و استقطبه شاعرا القرن الثالث الکبیران:أبو تمام و البحتری،حتی تبلور أخیرا فی الکتاب الذی وضعه ابن المعتز و سماه:(کتاب البدیع)،فأصبح لهذه الخصومة عمود واضح تدور من حوله،إذ تبینت مظاهر هذا المذهب و تجمعت فی مصطلحات محددة تهیأ معها لخصوم المذهب و مؤیدیه أن تتضح لهم مواقع أقدامهم فی المعسکرین.
فهذا الکتاب هو الوساطة للقاضی علی بن عبد العزیز الجرجانی (قاضی قضاة البویهیین فی الری)الذی اتخذ من الخصومة حول المتنبی و مذهبه فی الشعر موضوعا لوساطته؛فانتصر للمتنبی لأنه لم یقصر نظره علی الردیء من شعره،و إنما تعداه إلی الجید المبتکر ضاربا بمقیاس تفضیل السابق لسبقه عرض الحائط:«و أنت لا تجد لأبی الطیب قصیدة تخلو من أبیات تختار،و معان تستفاد،و ألفاظ تروق و تعذب،و إبداع یدل علی الفطنة و الذکاء،و تصرف لا یصدر إلا عن غزارة و اقتدار»1مسوغا تعقید المتنبی فی بعض ألفاظه،و غموضه فی بعض معانیه،و مبالغته و إفراطه فی الاستعارة بما وقع من ذلک فی شعر أبی تمام و المحدثین و فی شعر الأوائل أیضا."