خلاصه ماشینی:
"کما تؤکد هذه الأدبیات علی اعتبار بعض صحابة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)هم الأقطاب الأول للتصوف،و یقوم فکر التصوف علی التأویل و علی ثنائیة الظاهر و الباطن و علی أن حقائق الوجود تختلف عن ظواهره،و أن المعانی الظاهریة لآیات القرآن الکریم،إن هی إلا إشارات،و رموز لمعانیها الحقیقیة غیر الظاهرة،و التی لا یدرکها إلا أهل النظر و الریاضة الروحیة،کانت هذه النزعة التأویلیة لدی المتصوفین المسلمین و مذاهبها البعیدة عن قواعد التفسیر و التأویل لدی فقهاء المسلمین سببا لمواقف هؤلاء الفقهاء السلبیة من التصوف،أو وصف أصحابه فی کثیر من الأحیان بالهرتقة و الزندقة و الإلحاد،مرة لأن المتصوفین کانوا یخرجون النص الدینی عن مدلولاته التی تفرضها القواعد و الأصول الصوفیة،کقول الصوفیة مثلا بأن الجنة و النار کما ورد وصفهما فی القرآن الکریم لیسا هما الجنة و النار المادیتین اللتین یظنهما البشر،و إنما هما تعبیر عن صور معنویة و روحیة للنعیم و العذاب،هذا ما یثیر الفقهاء و العقائدیین المسلمین و یجعلهم یتخذون هذا الموقف السلبی ضد أقوال المتصوفة،و مرة أخری لأن المتصوفین کانوا یطلقون التعابیر التی تتنافی فی ظاهرها مع العقیدة الدینیة و یقولون بالحلول و الاتحاد،کقول الحلاج مثلا أنا الحق و الحق أنا أو قوله الله فی جبتی،إلی کثیر من الرموز و التعابیر المشابهة التی تناقض فی ظاهرها علی الأقل العقیدة الإسلامیة،لذلک حاول المتصوفون أن یعیدوا نشأة التصوف إلی ما قبل القرن الثانی للهجرة و بالذات إلی صحابة الرسول نفسه، و اعتبروا أن مذهب التصوف ینطلق من مفهوم الزهد الإسلامی و أنهم فی أحوالهم و مقاماتهم و تجلیاتهم،و وجوهم و انجذاباتهم و فی جمیع أحوالهم،إنما یجسدون آثار ممارستهم للزهد و التخلی عن الدنیا و متطلباتها و مباهجها."