خلاصه ماشینی:
"و لکن القصة العربیة قد تأخر نشوءها الی القرن الرابع حتی ظهرت بمصر،لان عملها یقتضی التطویل و التحلیل و العلم بطبائع الناس و أوصاف الشعوب، و العرب فی عهودهم الاولی کانوا أبعد بطبیعتهم و معیشتهم عن هذه الامور،ثم کانوا فی عصور التحضر و الاستقرار یؤثرون الخاصة بادبهم فیضطرون فی حضرة الملوک ان یراعوا أدب الحدیث فلا یغرقون فی الحادث حتی یجانب العقل،و لا یسهبون فی السمر حتی یجاوز المجلس، و لا یسفون فی القول حتی یصادم الخلق،اما القصاص المصری فقد تهیأت له الاسباب اللازمة لخلق القصة:کان سمیر الاوزاع و العامة فلم یتقید معهم بقوانین الخلق،و لا بقضایا المنطق و لا بوقائع التاریخ،فهو یصطنع اللهجة الصریحة،و یستعمل الالفاظ القبیحة، و یبالغ فی الخلط و التلفیق،قصدا الی الإغراب و التشویق،و یعتمد غالبا علی المفاجآت القویة،و یستطرد کثیرا الی الحوادث العرضیة،ثم یصادم الوقائع و یشوه الحقائق،لانه یجهلها،و الجمهور الذی یسمعه لا یعلمها،فاستطاع بذلک ان یزور أغرب الحوادث،و یجمع شتی الاحادیث،و یترک لنا هذه المجموعة القصصیة التی کانت و لا تزال للخاصة مبعث لذة، و للعامة مصدر ثقافة.
کان القصاص المصری یعتمد فی مادته علی ما یصدر عن بغداد من الاقاصیص الموضوعة و المنقولة،و الروایات القدیمة الصحیحة و المدخولة،ثم یضیف الی ذلک ما تنوقل فی مصر و ما تجمع من الاخبار من التجار و الرحالین و البحارین،فقد کان هؤلاء بعد عودتهم من البلدان النازحة یدونون ماراوا من الاعاجیب،کما فعل الیعقوبی و ابن فضلان و بزرک بن شهریار مثلا، إذ یحدثون بها الناس کأن یقولوا لهم ما حاکاه ابن خرداذبة من ان فی بعض الامم رجالا عراض الوجوه،سود الجلود،لا تزید قامة أطولهم علی اربعة أشبار،و فی جلودهم نقط حمر و صفر و بیض،و إن فیهم من له أجنحة یطیر بها،و من رأسه کرأس الکلب،و جسمه کجسم الثور او الاسد،و ما جاء فی کتاب(المستطرف)من ان فی(البلغار)م طوله اکثر من ثلاثین ذراعا،یأخذ الفارس تحت إبطه،کما تأخذ الطفل الصغیر،و یکسر ساقه بیده کما تقطع حزمة البقل."