خلاصه ماشینی:
"وهذا الأمر بحد ذاته صحیح لا غبار علیه، ولا یستطیع أحد أن ینکر صحة هذا المصداق، وأن الآیة الکریمة أرادته، ولکن ـ والاستدارک هنا للتساؤل والبحث العلمی ـ ألا یمکن أن یشمل مفهوم {غیر أولی الإربة من الرجال} مصادیق أخری، أو بشکل أوضح: ألا یمکن أن یکون المفهوم أعم مما ذکر؟ استعرضنا المعنی اللغوی لکلمة (الإربة)، وهو الحاجة، والحاجة هنا قد تکون أعم مما ذکره المفسرون، وذلک بأن تشمل کل من لا حاجة له بالنساء عادة، وهذا لا یعنی أنه لا حاجة له مطلقا بالنساء، بل عدم حاجته المخصوصة بالمرأة التی ینظر إلیها، ویظهر ذلک من خلال بعض المصادیق التی ذکرها المفسرون، حیث قال بعضهم: إنه الأبله أو المجنون من الرجال، وقال آخرون: إنه الفقیر، وهذان مصداقان لا ینطبق علیهما عدم القدرة علی الجماع، فالجنون والفقر لا ینفیان القدرة والحاجة إلی الجماع، ومع ذلک فإن المصداقین ینسجمان مع المعنی اللغوی للکلمة.
ولما تبین لنا أن الأحکام الواردة فی القرآن حول هذه المسألة فصلت بین نساء النبی وغیرهن من النساء کان لا بد لنا إفراد الآیات بحسب هذا التفصیل، حتی لا یتم الخلط بین الخطابین، وبالتالی عدم جمع الخطابین للخروج بمفهوم واحد، فللحجاب فی القرآن مفهومان، ولیس مفهوما واحدا، وهذا ما سوف نوسع الکلام حوله لاحقا، أما فی ما یخص مقامنا هنا ـ أی دخالة هذه الآیة بمسألة الحجاب ـ فإننا نری أن قوله تعالی: {وقرن فی بیوتکن ولا تبرجن تبرج الجاهلیة الأولی} هو نوع من الحجاب الذی فرضه الله علی نساء النبی، وخصهن دون غیرهن بمسألة القرار فی البیت، وأشرکهن مع غیرهن فی مسألة التبرج، کما هو واضح من الآیات التی تعرضنا لها فی القسم الأول."