خلاصه ماشینی:
"وهذا هو السبب فی أن حکم القانون وإمکانیة الوصول إلی العدالة المفتوحة أمام الجمیع، بقیت من بین الملامح الثابتة التی لا یمکن انتزاعها من المجتمع الإسلامی، وعملت هذه بصورة عامة علی حمایة الأرض الإسلامیة من طغیان الحکم الاستبدادی، وظل مبدأ فصل السلطات هذا، الذی أقیم وبقی کما هو فی عهد الخلفاء الراشدین، مستمرا فی العصور اللاحقة علی الرغم مما لحق بالنظام من انحطاط.
إن الدرس الذی یعلمنا إیاه التاریخ درس واضح کل الوضوح، وهو أن علمنة الأراضی الإسلامیة وتغریبها لا یمکن تحقیقهما دون سلطة تحکمیة، ولیس ثمة تنافر بین الإسلام وبین نظام دیمقراطی حقیقی مبنی علی مشارکة الشعب وتقاسم السلطة معه؛ بل إن الأمر علی العکس من ذلک، حیث أن الدمقرطة – بمعنی حریة الشعب والحقوق الأساسیة والمشارکة الشعبیة فی الحکم – والاسلمة تعتبران من النتائج الطبیعیة لمفهومین أساسیین لیس بینهما اختلاف.
ولا یکن الإسلام والأمة الإسلامیة أی تعاطف مع الحکم الاستبدادی التسلطی، ومهما کان نوع السلطة الاستبدادیة التی تحکم فإنه نتاج یغلب علیه طابع الاستعمار والتغریب، لا طابع المثل الإسلامیة أو التاریخ الإسلامی أو الطموحات الإسلامیة المعاصرة، إنهم ینظرون إلی النسخة العلمانیة الغربیة من الدیمقراطیة علی أنها غریبة عن مبادئهم وقیمهم وتقالیدهم، غیر أنه یتوفر لدیهم مفهومهم الخاص، وتراثهم الثری من الدیمقراطیة وحکم الشعب الذی یکفل الحکم العادل والعملیات التشاوریة علی جمیع المستویات، کما یضمن احترام الحقوق وتقبل الاختلاف واستقلال السلطة القضائیة، إلی جانب التعددیة السیاسیة الثقافیة، ولیس ثمة تضاد بین الإسلام وهذا الجوهر للدیمقراطیة."