خلاصه ماشینی:
وهذا الادّعاء، على أساس هذا المبدأ، صحيحٌ ومنطقي؛ إلاّ أن الأمر الذي غفلوا عنه أن أكثر حالات الاعتماد على الرأي العام في مجتمعات اليوم ليست لأجل كشف الحقيقة؛ بل لأن الناس أنفسهم يجب أن يقرِّروا لحياتهم، ولا يمكن لشخصٍ ما إجبارهم على فعل شيءٍ ضدّ إرادتهم، وإنْ كان ما يقومون به غير صحيح.
إن أيَّ خيارٍ آخر، ما سوى رأي الأكثرية، إذا تمّ اختياره ليكون «الحكم النهائي» لحلّ النزاعات بين أفراد المجتمع سيواجه مشكلتين رئيستين: المشكلة الأولى: إن ما يقبله الحَكَم النهائي إما أنه يوافق رأي الأكثرية أو يختلف معها؛ فإذا وافقها فعندئذٍ يكون رأي الأغلبية هو السائد؛ وإذا خالفها يكون الرأي المخالف للأكثرية هو السائد، وفي هذه الحال يتعرّض مبدأ الإرادة الحُرّة للبشر، التي هي مقدّمة لرشدهم وسموّهم، إلى الكثير من الضَّرَر.
وعلى هذا الأساس قد توصَّلوا جميعاً إلى هذه النتيجة الصحيحة، بأن رأي الأكثرية لا اعتبار له؛ لأنه لا يكشف الحقيقة، بل قد يكون رأي الأقلِّية في المجتمع هو الذي يوافق الحقيقة.
لذلك فإن بعض المعاصرين الذين ينادون بالديمقراطية القائمة على كشف الحقيقة قد قيَّدوا من إطلاق الديمقراطية، ويعتقدون أنه في الأمور التي تكون فيها الحقيقة واضحة؛ أو هناك طريقةٌ لتحقيقها من خلال البحث العلميّ، من غير الجائز الرجوع إلى رأي الناس.
2ـ نتائج مبدأ كشف الحقيقة قد توصَّلْنا حول اعتبار رأي الأكثريّة على أساس مبدأ كشف الحقيقة إلى هذه النتائج: الأولى: الرجوع إلى الرأي العامّ غير صحيح في الحالات التي تكون فيها الحقيقة واضحةً للمراجع، مهما كان الدليل الذي يعتمد عليه، سواء كان علمياً أو دينياً أو سوى ذلك.
أما الإشكال ضدّهم فهو أنهم تجاهلوا سائر المبادئ لاعتبار رأي الأكثرية، وخاصّة حقّ تقرير المصير، ومن ثمّ بعد رفض اعتبار رأي الأكثرية بناءً على مبدأ كشف الحقيقة توصَّلوا إلى هذه النتيجة الخاطئة.