خلاصه ماشینی:
والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل لنا أن نقول ـ بصورةٍ مطلقة أو مشروطة ـ بحجّية المسائل والطرق التي تستقرّ عليها سِيَرٌ عقلائية عامّة جديدة، مثل: اعتبار حقوق التأليف، والأخذ بآراء الأغلبية في تنظيم الشؤون السياسية للدول، وفي انتخاب مسؤولي الحكومات؟ وبعبارةٍ أخرى: هل يمكن الحصول على دليلٍ معتبر على حجّية السِّيَر العقلائية الجديدة والمتشكِّلة بعد عصر حضور المعصومين (علیهم السلام) أم أنه لا يوجد دليلٌ معتبر على حجّية هذا القسم من السِّيَر العقلائية، لا بصورةٍ مطلقة ولا بصورةٍ مشروطة؟ وقد اتّخذت طرق متعدّدة لإثبات حجّية السيرة، مثل: الحجّية الذاتية للسِّيَر العقلائية( )، وحجّية السِّيَر التي علم المعصوم بتحقُّقها وأخبر عنها( ).
وإنّ مقصودنا من هذا البحث هو أنّه إذا وُجد دليلٌ تامّ، صدوراً ودلالةً وجهةً، على نفي اعتبار سيرةٍ من السِّيَر العقلائية فإنّها تكون غير معتبرةٍ، وتدخل ضمن دائرة الاستثناء من الحجّية، وفي غير هذه الحالة لا يكون موقف الشارع تجاه السيرة سلبياً، وتدخل في الدائرة المقابلة للاستثناء، وبالتالي تشملها القاعدة الأوّلية، وتكون معتبرةً وحجّةً.
وليس مرادنا من القاعدة الأوّلية لحجّية سيرة العقلاء أن نعتبرها دليلاً مستقلاًّ، في عرض الكتاب والسنّة، وأن يكون لها موضوعيّة، بل نقول بأنّنا نستنتج من الأدلّة التي سنقدِّمها في هذا البحث أنّه لا حجّة للشارع ضدّنا في عملنا بمقتضى أيّ سيرةٍ إذا لم يقُمْ دليلٌ على نفي اعتبارها، ولذا نكون معذورين في ذلك.
ونجيب عن ذلك بأنّ الأصل العملي معتبرٌ في حالة عدم وجود دليلٍ، وهنا يوجد لدينا دليلٌ مقدَّم على الأصل العملي، وهو سيرة وطريقة الشارع في غير مجال العبادات، واعتبار القاعدة الأوّلية، كما مرّ معنا في الأدلّة المتقدّمة.