خلاصه ماشینی:
"لقد نعلم جمیعا کیف استقبل المسلمون فی مشارق الأرض و مغاربها فی القرن الماضی و مطالع هذا القرن،جمیع النظریات السیاسیة و الفکریة الغربیة و ما طالعتهم به هذه النظریات من تطبیقات عملیة رفضت رفضا قاطعا من الکثیرین و استقبلت بما یشبه الانبهار و الخضوع من کثیرین آخرین،و استمر الجدل حول کل ذلک قرنا من الزمن أو یزید و کان أکثیره یتعلق بالحریات العامة و ما یتبعها أو یؤدی إلی إقامتها و حمایتها من أشکال الحکم و التمثیل السیاسی و نظریات فصل السلطات و إقامة المجالس بالانتخاب المباشر أو غیر المباشر إلی ما هنالک من نظریات.
من هنا کان لا بد للفکر الإسلامی الحدیث من التحرک بغیة دفع قیم تراثنا إلی واقع حیاتنا الفکریة لتقوم بدورها فی إزالة التباین الکبیر بین هذا الواقع الذی یتسم بالغربة و الضیاع،و بین الأصالة التی یتمتع بها کل تراثنا الفکری المتصل بحاضرنا عبر جمیع قنواته الدینیة و الاجتماعیة و السیاسیة اتصالا مضطربا و لکنه صامد رغم کل مظاهر الضیاع و الغربة البعد عن الذات.
و ما کانت التغییرات الکبری التی واجههت أنظمة الحکم فی التاریخ إلا فی سبیل حمایة الحقوق العامة و الخاصة عند ما تستفحل المعصیة و یسود القلق و بهذه الحمایة ترتبط أوامر الخالق الواردة فی کتبه کلها و علی لسان أنبیائه أجمعین،خصوصا تلک المنبثقة عن الشرع الإسلامی الهادفة إلی حمایة حق الإنسان فی حیاة کریمة تنتظم فیها حقوق العباد (الحقوق الخاصة)التی یتمتع بها هذا الإنسان و حقوق الله(الحق العام)الهادفة إلی دعم کیان الأمة الاجتماعی و السیاسی و الدینی و نشر العدالة و المساواة،و إلی دعم سعی الإنسان للحصول علی حیاة أخرویة سعیدة بعد الموت نتیجة احترامه لحقوق الغیر و نتیجة حسن استعماله حقوقه فی الطریق التی رسمها له الشرع الحنیف."