خلاصه ماشینی:
فما هي معالم هذا الفقه النموذجي؟ وما هي آفاقه ومآلاته الاستراتيجية؟ فقهُ النصّ وفقه الواقع إن فقه الأقلِّيات هو فقهٌ نوعي وخاصّ، يرتبط بحالة معينة وفريدة من حيث الأشخاص والمكان، بحيث يختصّ بها ما لا يليق بغيرها في الأحكام والتقديرات، لهذا السبب يحتاج الخائض فيه إلى ذخيرةٍ موسعة من المناهج والمعارف، في مجالات الثقافة والفكر، وفي مجالات الاجتماع والاقتصاد والسياسة والقانون والآداب، إضافة إلى الفقه في الشريعة وفهم الواقع.
لذلك فالفتوى لهؤلاء الذين يعيشون في تلك الديار بأحكامٍ عامّة في الفقه لا ينسجم مع فقه هذه الأقلِّية، بل لا بُدَّ للمفتي أن يستزيد في التفصيل ممَّنْ يسأله لإيضاح أمور خاصّة، وللاستبيان عن جوانب مهمّة تؤثِّر في الحكم، ويراعي المقاصد في الأحكام ودَوَرانها مع العلل، وتغيُّر الفتوى بتغيُّر الزمان والمكان والعُرْف والحال( )، ويعتبر بمآلات الأحكام والأفعال، وينظر إلى عالمية الإسلام وشمول رسالته، ويراعي غاياته في الانتشار والتمكين على المدى البعيد، عندها يفتي بما يمليه عليه نظره، وما توصَّل إليه فَهْمه؛ اعتباراً بكل ما سبق.
ونحسب أن من بين أهمّ ما يمكن أن يستفاد منه في فقه الأقلِّيات من الأصول الفقهية أصل اعتبار المآلات( )؛ وذلك لأن هذا الأصل مبنيٌّ على تعديل الحكم الشرعي المتعلِّق بفعلٍ من الأفعال، إذا لم يكن محقّقاً لمقصده فيه، إلى حكمٍ آخر يحقِّق فيه مقصده.
وهي أوضاعٌ تشتدّ صور التعقيد والتشابك فيها في واقع الأقلِّيات المسلمة ضمن أكثريّةٍ غير مسلمة، الذي تكون فيه السيادة لقانون ونظام الحكم الأجنبي، مما يدلِّل على أن «هذه الأوضاع من شأنها أن تكسب أحوالاً كثيرة من أحوال المسلمين خصوصيات ذاتية وموضوعية، تؤول بها لو طُبِّقَتْ عليها الأحكام الشرعية العامة إلى مآلات تخالف مقاصد تلك الأحكام، فيكون إذن لقاعدة مآلات الأفعال دَوْرٌ اجتهادي مهم في فقه الأقلِّيات المسلمة، بل لعلها تكون من أهمّ القواعد الأصولية التي ينبغي تحكيمها في ذلك الفقه»( ).