چکیده:
إن دوافع الإجهاض کثیرة و متعددة،ولکی تؤخذ هذه الدوافع بعین الاعتبار فی میزان الشرع فلا بد أن تکون تلک الدوافع ثابتة،و نتائجها یقینیة،و المصلحة المستفادة من الإجهاض أعظم من إهمال تلک الدوافع،فإذا توافرت هذه العناصر فلا بد من النظر إلی مدة الحمل،هل هی قبل نفخ الروح فی الجنین أم بعد نفخ الروح فیه؟ و تنفخ الروح فیه إذا بلغت أیامه الرحمیة مائة و عشرین یوما فالقول الأوجه فی حکم الإجهاض قبل نفخ الروح فیه:هو التحریم،لان النطفة آیلة إلی التخلق و مهیأة لنفخ الروح.ما لم یثبت قطعیا بوسائل الطب الحدیثة أن بالجنین عیوبا وراثیة خطیرة لا تتلاءم مع الحیاة العامة،و أن هذه العیوب تسری بالوراثة إلی أسرته،فإنه یجوز الإجهاض قبل نفخ الروح بالجنین. أما بعد النفخ الروح فی الجنین فإنه یحرم الإجهاض بأی وسیلة مؤدیة إلی نزوله من بطن أمه،ما لم تکن هناک ضرورة بقرار من الأطباء المختصین بان بقاء الجنین ضار بأمه،و یهدد حیاتها،فحینئذ یباح الإجهاض،لا بل یصیر واجبا،ما لم یکن الحمل غیر شرعی،أی من الزنا،و الله اعلم. الحمد لله رب العالمین،الذی جعل الإنسان خلیفته علی أرضه،و فضله علی سائر خلقه،و سخر الکون کله من أجله.و صلی الله علی سیدنا محمد، و علی آل بیته،و من نهج بنهجه،و بعد: لما کان الإنسان مطبوعا علی حب البقاء،و لا سبیل لبقائه بذاته إلا عن طریق النسل المعروف نسبته إلیه،فیری فیه امتدادا لبقائه،و استمرارا لذکراه، و لا یتحقق هذا إلا عن طریق الزواج.قال الله تعالی: و الله جعل لکم من أنفسکم أزوجا و جعل لکم من أزوجکم بنین و حفدة و رزقکم من الطیبت سورة النحل آیة 72.فإن الإنسان یلاحظ فی هذا المجتمع الذی یعیش فیه ألوانا شتی،و طرقا عدیدة،تمنع الحمل الذی یحد من امتداد نسله، و استمرار ذکره. و سأتکلم فی هذا البحث عن إحدی هذه الطرق،ألا و هی الإجهاض. و سأبنی هذا البحث علی تمهید،و فصلین،و خاتمة. أما التمهید:فأبحث فیه:حث الإسلام علی النسل و المحافظة علیه. الفصل الأول:حقیقة الإجهاض،و دوافعه،و حکمه.و یشتمل علی ستة مباحث: المبحث الأول:معنی الإجهاض. المبحث الثانی:دوافع الإجهاض. المبحث الثالث:متی تنفخ الروح فی الجنین. المبحث الرابع:حکم الإجهاض قبل نفخ الروح. المبحث الخامس:حکم الإجهاض بعد نفخ الروح. المبحث السادس:حکم الإجهاض بسبب الزنا. الفصل الثانی:عقوبة الإجهاض و یشتمل علی ستة مباحث: المبحث الأول:تحقیق الجنایة علی الجنین.
خلاصه ماشینی:
"فقد عمل الدکتور شرف القضاة3علی التوفیق بین هذه الأحادیث فقال: (إن الأصح حمل الحدیث الأول علی بقیة الأحادیث،لأن الحدیث الأول لیس فیه تصریح بأربعة أشهر،أو بأن مرحلة النطفة تکون أربعین یوما وحدها،بل أن قوله(إن أحدکم یجمع خلقه فی بطن أمه أربعین یوما)یفهم منه أن کل الخلق من نطفة إلی علقة إلی مضغة یتم فی الأربعین)4و لذلک لم ترد کلمة(نطفة) بعد هذه الجملة فی أیة روایة صحیحة أو حسنة أما قوله:(ثم یکون علقة مثل (1)مسلم:صحیح مسلم 4/2037 رقم الحدیث 2644.
المبحث الرابع: حکم الإجهاض قبل نفخ الروح سبق أن ذکرت بعض دوافع الإجهاض کخوف الحامل علی حیاتها إن لم تجهض،أو یعقب الحمل-إن استمر-عاهة ظاهرة فی جسم الأم،أو أن تهدد حیاة رضیع موجود بالهلاک،بسبب وجود حمل،یؤدی إلی جفاف ثدی المرضع الحامل،مع العجز عن استئجار مرضع للطفل،أو یغلب علی ظن الطبیب أن الجنین سیولد مشوها،أو أن تتیقن الأم الحامل أنه إذا استمر الحمل سیعقبها هزال،أو نقص فی لیاقتها الجسمیة و غیر ذلک.
أما إذا أحدقت بالحامل من الزنا ضرورة مستوفیة شروط الضرورة المار ذکرها،بحیث أصبح التخلص من الحمل هو السبیل الوحید لبقاء حیاة الأم الزانیة،فهل یباح الإجهاض فی هذه الحالة؟ فی هذه الحالة لا بد من أن نفرق بین أمرین1 الأمر الأول:أن تکون الأم الزانیة محصنة،و غیر مستکرهة علی الفاحشة، و أن یثبت زناها أمام القاضی،ففی هذه الحال لا عبرة بتلک الضرورة الداعیة إلی الإجهاض؛لأن الأم الزانیة مستوجبة للقتل(الرجم)حدا فلیس ثمة أی قیمة لما قد یتهددها من الهلاک إن بقی حملها،مهما کانت مرحلة الحمل التی تمر بها،لأن الإجهاض لإبقاء حیاتها تضحیة بحیاة جنین بریء،و قیمة حیاة هذا الجنین فی نظر الشارع،أعظم کثیر من قیمة حیاة أمه التی ارتکبت الفاحشة، و استوجبت بذلک حد الرجم."